فخ أمريكي لبوتين في أوكرانيا- ثلاث سنوات من الحرب والخسائر؟

المؤلف: جيرار ديب09.17.2025
فخ أمريكي لبوتين في أوكرانيا- ثلاث سنوات من الحرب والخسائر؟

أكد الرئيس الأوكراني عبر منصات التواصل الاجتماعي قائلًا: "ثلاثة أعوام من الصمود، ثلاثة أعوام من الامتنان العميق، وثلاثة أعوام تجسدت فيها أروع صور البطولة التي أظهرها الشعب الأوكراني". وأعرب عن شكره وتقديره لكل من يدافع عن أوكرانيا ويساندها في هذه المحنة.

وفي سياق متصل، وصل قادة الاتحاد الأوروبي إلى العاصمة الأوكرانية كييف، في صباح يوم الاثنين الموافق الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط الجاري، وذلك للتأكيد على دعمهم الراسخ لأوكرانيا. وقد صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عبر حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي قائلة: "إننا اليوم في كييف، لأن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من أوروبا. وفي هذا النضال من أجل البقاء، ليس مصير أوكرانيا وحده على المحك، بل مصير القارة الأوروبية بأسرها".

ويتجلى الانسجام التام بين أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي، مع الإصرار على الاستمرار في مواجهة تطلعات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي يراها البعض أحلامًا بعيدة المنال لإعادة أمجاد بلاده الغابرة.

إلا أن الأمر لا يقتصر فقط على مجابهة طموحات بوتين، بل يمتد ليشمل توجيه رسائل جلية وواضحة إلى الحليف الأميركي، مفادها أنه قد يرتكب خطأً فادحًا إذا ما بالغ في التقارب مع موسكو. ولكن يبقى السؤال المطروح: هل يسعى دونالد ترامب فعلًا إلى إطلاق يد بوتين في ساحة المعركة على حساب مصالح أوروبا، أم أنه ينصب فخًا محكمًا ومزدوجًا لكل من الحليف والخصم على حد سواء؟

ها هي العملية العسكرية الخاصة التي أطلقها الجيش الروسي تدخل عامها الثالث، بعد أن أصدر الرئيس الروسي أوامره لقواته المسلحة في الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط عام ألفين واثنين وعشرين، باجتياز الحدود الأوكرانية بهدف ضمان أمن روسيا القومي. وقد برر ذلك التوغل بإبداء تخوفه من احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الأمر الذي قد يؤدي إلى وضع صواريخ "الناتو" على الحدود الروسية مباشرة.

وكانت التقديرات العسكرية المقربة من دوائر صنع القرار في الكرملين تشير إلى أن العملية العسكرية لن تستغرق أكثر من بضعة أيام لإنجاز المهمة الموكلة إليها، والتي تتعلق بضم بعض المقاطعات الأوكرانية إلى الأراضي الروسية. ولكن إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، كان لديها تصور مغاير تمامًا، حيث وجدت في الحرب الدائرة رحاها في شرق أوكرانيا فرصة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. ولذلك، لم تتردد في فتح قنوات الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجستي لكييف، بهدف عرقلة التقدم الروسي.

وبينما كان بوتين في مكتبه يراقب عقارب الساعة وينتظر اتصالًا هاتفيًا يؤكد له إنجاز المهمة بنجاح، كانت واشنطن تخطط لإطالة أمد الحرب بهدف استنزاف روسيا وإضعافها، وتحييدها كقوة أساسية صاعدة تهدد النفوذ الأميركي في العالم.

ولهذا، بادرت إدارة بايدن إلى تفعيل سياسة "الاحتواء" للدول الصاعدة، وعلى رأسها القوتان الصين وروسيا. الأمر الذي دفع بوتين إلى إدراك حقيقة أنه وقع في الفخ الأميركي بعد مرور عدة أشهر من بدء العملية العسكرية، وأنه تورط في المستنقع الأوكراني، وأن الغرب كان يتحضر لتطويق روسيا عبر فرض عقوبات دولية عليها. وكان آخر فصول هذا التطويق تعليق زيلينسكي في الثلاثين من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي العمل باتفاقية نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا، في خطوة تهدف إلى "التصفير"، بعد أن كانت دول الاتحاد الأوروبي تستورد أكثر من أربعين بالمئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا في عام ألفين وواحد وعشرين.

وها هي ثلاثة أعوام قد انقضت، ولا تزال الحرب قائمة في شرق أوكرانيا، ولا يزال الجيش الروسي يواجه عقبات مستمرة، لا سيما بعد أن توغل الجيش الأوكراني عسكريًا في منطقة كورس الروسية في السادس من شهر أغسطس/ آب الماضي وتمكن من احتلالها. الأمر الذي ضاعف من الضغوط على بوتين، بعد أن طرح زيلينسكي حلًا لإنهاء الصراع من خلال تبادل الأراضي التي احتلتها أطراف النزاع.

ثلاثة أعوام مرت، ولم يتمكن بوتين من جر حليفه الصيني إلى ساحة المعركة، كما لم تبادر بكين إلى إشعال حرب استنزاف للغرب في الجانب الآخر، بهدف إضعافه وتشتيت قدراته على الاستمرار في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.

ولكن جل ما استطاع بوتين تحقيقه بعد انقضاء هذه الفترة الزمنية المضنية، هو الحصول على لقاء على مستوى وزراء الخارجية من واشنطن، عُقد في الرياض بهدف إنهاء الحرب على قاعدة ما يفرضه الأقوياء، ولهذا لم يكن زيلينسكي ممثلًا في هذا اللقاء.

وقد انفرجت أسارير بوتين بعد اللقاء الذي جمع وزير خارجيته، سيرغي لافروف، مع نظيره الأميركي، ماركو روبيو، في الرياض يوم الثلاثاء الموافق الثامن عشر من شهر فبراير/ شباط الجاري، حيث أكد الطرفان على أهمية اللقاء وجديته، واتفقا على تهيئة الظروف لعقد قمة بين رئيسي البلدين.

لقد منحت تلك المحادثات روسيا بصيص أمل في تحقيق النصر في هذه الحرب الطاحنة، على اعتبار أن الجانب الأميركي قد أبدى تفهمه للشواغل الروسية، وأن هذا اللقاء قد يترجم على مستوى الرئيسين، مما يفتح الباب أمام سلسلة من التفاهمات بين البلدين حول قضايا عديدة.

وعلى الصعيد الظاهري، رفعت هذه المحادثات من معنويات الجانب الروسي، على اعتبار أن الطرف الأوكراني لم يشارك فيها. ولكن في الجوهر، ووفقًا لبعض التقارير، فقد وقع الروس في الفخ الأميركي مرة أخرى، حيث تشير تسريبات من مصادر مقربة من الجانب الأميركي الذي شارك في الاجتماع، إلى أنه تم إلزام روسيا بإعادة إعمار أوكرانيا من الأصول الروسية المجمدة. وهذا يعني أن الغرب، وتحديدًا الأميركيين، قد وضع يده على هذه الأصول التي تقدر قيمتها بحوالي ستمائة مليار دولار.

وفي العمق أيضًا، تكون واشنطن قد حققت مسعاها القديم، وهو قطع خطوط أنابيب الغاز الروسية (نورد ستريم واحد ونورد ستريم اثنين) عن أوروبا، الأمر الذي سهل بشكل كبير دخول الغاز الأميركي وبأسعار مرتفعة. وفي الجوهر، تكون واشنطن قد استعادت دورها التقليدي الذي لعبته بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، من خلال إبراز دورها كـ "حكم" في القضايا الدولية.

إن الفخ الأميركي الذي نصبه ترامب لبوتين، قد منح واشنطن الحرية الكاملة في ابتزاز كل من كييف والاتحاد الأوروبي على حد سواء، من خلال سعي ترامب للاستيلاء على المعادن النادرة الأوكرانية، كتعويض طبيعي عن المساعدات المالية والعسكرية التي قدمتها أميركا لكييف في حربها مع روسيا.

أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فقد وجد ترامب في مفاوضاته مع بوتين فرصة ذهبية لعدم السماح لأوروبا بالابتعاد عن فكرة "التبعية" التي اعتادت عليها منذ حقبة الحرب الباردة، لتبقى مفاتيح النظام الدولي مرتبطة بواشنطن حصريًا.

ولا تتوقف الأهداف الأميركية عند أخذ روسيا إلى طاولة المفاوضات، بل يرى ترامب أيضًا أن التفاوض الأميركي مع روسيا سيكون له انعكاسات إيجابية على العلاقة الروسية الإيرانية، بهدف زعزعة التعاون بين البلدين، لا سيما فيما يتعلق بالشأن العسكري. إذ تحتاج واشنطن بشدة إلى تبريد الجبهة الأوكرانية، لكي تتمكن من مواجهة الخطر الداهم من إيران، التي أصبحت على وشك امتلاك القنبلة النووية، وهو الأمر الذي توعد ترامب بعدم السماح بحدوثه مهما كلفه ذلك من ثمن، فما بالك إذا كان هناك رئيس وزراء إسرائيلي متهور مثل بنيامين نتنياهو، يعمل بكل ما أوتي من قوة على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية.

يراهن الجانب الروسي على أن هذه المحادثات تشكل بداية النهاية لعمليته العسكرية الخاصة، وأنها تسجل إنجازًا كبيرًا لدبلوماسيته. ولكن الأمر قد يكون مختلفًا تمامًا بالنسبة للجانب الأميركي، الذي يقرأ هذه المحادثات من منظور تحقيق مكاسب جمة له على حساب أعدائه، وكذلك على حساب حلفائه. ولهذا يتساءل الكثيرون: هل بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب في أوكرانيا، سيقع بوتين في الفخ الأميركي مرة أخرى؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة